ما هو تفسير آية لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ؟
أذكر الفرق بين المس واللمس في القرآن الكريم؟
تفسير آية لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ - الفرق بين المس واللمس في القرآن الكريم
تأملات في قوله تعالى: "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ"، من المفاهيم الشائعة حول هذه الآية أن المقصود بها النهي عن مسّ المصحف لغير المتطهّر من حدث أكبر كالجنابة أو الحيض أو النفاس. لكن هذا الفهم السطحي، الذي حصر دلالة الآية في حكم فقهي خلافي، يتجاهل أفقًا أوسع ومعنى أعمق يدل عليه السياق واللغة والروح القرآنية.
نظرة نحوية أولية للآية "لا يَمَسُّهُ إِلَّا المطهرون":
الآية الكريمة: "لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ" (الواقعة: 79) هي جملة خبرية وليست طلبية أو إنشائية.
"لا" هنا نافية، و"يمس" فعل مضارع مرفوع، والآية لا تتضمن أمر ولا نهي، بل إخبارًا بحقيقة كونية. جمهور المفسرين الكبار يرون أن المقصود أن هذا القرآن الكريم محفوظ في "كتاب مكنون"، لا تصل إليه الأرواح الخبيثة، ولا تنزل به الشياطين، وإنما تنزل به الملائكة المطهرون.
بين الفقه والتفسير "في كتاب مكنون لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ":
مسألة عدم جواز مسّ المصحف لغير المتطهّر مسألة فقهية، تناقش في باب الأدب مع كلام الله، لكنها ليست محل استدلال من هذه الآية تحديدًا. وهي قابلة للأخذ والرد، ولا علاقة لها مباشرة بمضمون الآية الكريمة التي تتحدث عن قدر القرآن وقدسيته.
الفرق بين المسّ واللمس:
عند التأمل في ألفاظ القرآن، نجد تفرقة دقيقة بين "المس" و"اللمس".
اللمس يشير إلى التماس الجسدي المباشر، فهو فعل عضوي.
أما المسّ، فهو غالباً يرتبط بالكيان النفسي أو الروحي، وهو أعمق من مجرد التلامس الظاهري.
مثلاً:
مريم عليها السلام قالت: "ولم يمسسني بشر"، دلالة على نقاء كامل.
والآية: "إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا"، تشير إلى أثر خفي غير مرئي.
لذلك فإن المسّ هنا ليس مجرد تلامس، بل تداخل وتأثير.
ما معنى لا يمسه الا المطهرون في القرآن؟
المعنى الحقيقي للاية "لا يمسه إلا المطهرون" لا تعني أن مجرد الأيدي المتطهرة هي من تلامس المصحف، بل أن الأرواح الزكية والقلوب النقية هي القادرة على النفاذ إلى لبّ القرآن، إلى معانيه العميقة وجواهره الباطنة. فالطهارة في الآية ليست طهارة الماء، بل طهارة النية والروح والقلب. وهذا يفتح باب عظيم لفهم روحي للقرآن، لا يقتصر على طقوس القراءة، بل يتعداه إلى التأثير والتحول.
أمثلة على تفسير "لا يمسه الا المطهرون":
قال تعالى: "فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون" صدق الله العظيم، من خلال سياق الآيات السابقة، فإن النجوم بعيدة المنال، كذلك معاني القرآن بعيدة عن غير المطهرين. المقارنة هنا ليست عبثًا، بل مقصودة. معاني القرآن عالية، لكنها دانية لمن طهّر قلبه.
حالة المسّ القرآني:
كما أن المسّ الشيطاني يظهر تخبط واضطراب في سلوك الإنسان، فإن المسّ القرآني يُظهر أثرًا آخر: نور في الوجه، سكينة في النفس، حكمة في القول، استقامة في السلوك. لكن كثيرون يقرؤون القرآن، يختمونه مرارًا، لكنهم لا "يمسونه". لم يحدث القرآن في قلوبهم أثرًا، لأن الطريق إلى لمس جوهر القرآن ليس بكثرة القراءة، بل بتطهير القلب.
في الختام، القرآن لا يعطي كنوزه لأي قارئ. هو كتاب لا تفتح أبوابه إلا لمن صدق نيتهم وصفا قلبهم، ولهذا قال الله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون"، فإن كنت تتلو القرآن دون أن تتغير، دون أن تتأثر، فربما آن الأوان لأن تسأل نفسك: هل لمستَ القرآن حقًا؟ أم أنك اكتفيت بلمس الغلاف، والمرور على الكلمات دون أن تنفذ إلى المعاني.